بعد أحداث السويداء.. هل تحولت معاناة الأقليات السورية إلى أداة ضغط على دمشق؟

بعد أحداث السويداء.. هل تحولت معاناة الأقليات السورية إلى أداة ضغط على دمشق؟
مقاتلون سوريون في السويداء- أرشيف

أعلنت الجمعية الوطنية الأمريكية للمشرعين المسيحيين (NACL) اعترافها بما وصفته بـ"الإبادة الجماعية" المرتكبة ضد الطائفة الدرزية في محافظة السويداء جنوب سوريا، في خطوة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية السبت وأثارت جدلاً واسعاً حول خلفياتها السياسية والحقوقية، حيث يفتح القرار، المدعوم من جهات إسرائيلية، باباً جديداً على تعقيدات الملف السوري، خصوصاً في ضوء التغييرات الأخيرة المرتبطة بالعقوبات الأمريكية.

يأتي القرار في أعقاب مرسوم رئاسي أمريكي –القرار رقم 14312– الصادر في يونيو 2025، والذي نص على إلغاء معظم برامج العقوبات العامة المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد، وهذا التحول المفاجئ في السياسة الأمريكية تجاه دمشق أثار ردود فعل متباينة، حيث رأت فيه بعض الأطراف نافذة لإنعاش الاقتصاد السوري المنهك، فيما حذرت أخرى من أنه قد يُضعف أدوات الضغط على النظام في ملفات حقوق الإنسان والحريات.

يقف وراء الدفع بهذا الاعتراف عضو الكنيست عن حزب "إسرائيل بيتنا" حمد عمار، والمستشار الاستراتيجي نيتسان مئير، اللذان عملا خلال الأشهر الماضية مع الجمعية الأمريكية ورئيسها السيناتور السابق جيسون ريفيرت، ويربط مراقبون في تل أبيب الخطوة بالسعي إلى استقطاب أصوات الناخبين الدروز داخل إسرائيل، إذ يستعد زعيم الحزب أفيغدور ليبرمان لخوض انتخابات يسعى من خلالها لتشكيل حكومة جديدة بالتعاون مع قوى المعارضة.

الأقليات كورقة ضغط

القرار دعا الإدارة الأمريكية والكونغرس والقادة الدوليين إلى التحرك لحماية الأقليات في سوريا وربط أي تخفيف إضافي للعقوبات بتحقيق تقدم في ملفات الحريات الدينية وحقوق الإنسان. هذا الربط يعكس توظيف قضية الأقليات –وفي مقدمتها الطائفة الدرزية– كأداة للضغط السياسي، أكثر منه استجابة إنسانية مستقلة عن الحسابات الإقليمية.

عضو الكنيست حمد عمار وصف القرار بأنه "يوم تاريخي ومهم للدروز والمسيحيين والأقليات المضطهدة في سوريا"، مؤكداً أن حرية الدين والعبادة "حجر الزاوية في حياتنا"، ووجه الشكر للجمعية الأمريكية على "تضامنها" مع الدروز في السويداء، لكن غياب تعليق رسمي من دمشق أو رد فعل أممي حتى الآن يعكس الحذر المحيط بالخطوة التي قد تُقرأ على أنها محاولة لإعادة تدويل الملف السوري من بوابة حقوق الأقليات.

وفي القانون الدولي، يُعد توصيف أي أعمال ضد مجموعة سكانية بـ"الإبادة الجماعية" خاضعاً لمعايير صارمة حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، وحتى اللحظة، لم تُصدر أي جهة أممية أو محكمة دولية توصيفاً مماثلاً بخصوص السويداء، وبذلك يبقى اعتراف الجمعية الأمريكية رمزياً، لكنه قد يشكل مادة لتصعيد النقاش داخل أروقة الكونغرس أو في أروقة منظمات الضغط في واشنطن.

بين المعاناة والاستقطاب

السويداء، ذات الغالبية الدرزية، شهدت منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 توترات متقطعة، كان أبرزها هجمات تنظيم داعش عام 2018 التي أودت بحياة أكثر من 250 شخصاً، ومع الانهيار الاقتصادي السوري وتفاقم أزمة الخدمات، خرجت احتجاجات متكررة في المحافظة خلال العامين الماضيين، سرعان ما قوبلت بالتضييق والقمع، هذه الخلفية تجعل من السويداء رمزاً لمعاناة مزدوجة بين تهميش الدولة السورية واستغلال القوى الإقليمية والدولية لقضيتها.

تشير بيانات إسرائيلية إلى أن نحو 152,886 درزياً يعيشون في إسرائيل حتى أبريل 2025، بينهم حوالي 125,400 يحملون الجنسية الإسرائيلية، بينما يقيم الباقون في الجزء المحتل من هضبة الجولان، أما في سوريا فتُقدّر أعداد الطائفة بمئات الآلاف، غالبيتهم في محافظة السويداء، حيث يشكلون نحو 90% من سكانها، هذه الأرقام تمنح الطائفة وزناً سكانياً وسياسياً في المعادلة السورية– الإسرائيلية على حد سواء.

تسييس الملف الإنساني

قد يعيد هذا الاعتراف إحياء الجدل حول تسييس قضايا حقوق الإنسان، حيث يُنظر إلى الخطوة بوصفها جزءاً من لعبة النفوذ الإسرائيلي– الأمريكي أكثر مما هي استجابة لمعاناة إنسانية، وربما يشكل القرار أيضاً ذريعة لإعادة فرض أو تعديل العقوبات على سوريا، عبر ربطها بملف الأقليات الدينية، وفي ظل استمرار الانقسام الدولي حول الملف السوري، يبقى مستقبل هذا الاعتراف محصوراً في دائرة الضغط السياسي دون انعكاسات عملية مباشرة على الأرض.

اعتراف الجمعية الوطنية الأمريكية للمشرعين المسيحيين بما سمته إبادة السويداء يعكس تشابك الخطوط بين البُعد الإنساني والاعتبارات السياسية والإقليمية، وبينما ينتظر سكان السويداء حلولاً واقعية لأزماتهم المعيشية والأمنية، تبدو قضيتهم اليوم عالقة بين قرارات تُتخذ في واشنطن وتل أبيب، في حين أن حماية الأقليات وحقوقهم تتطلب آليات أممية مستقلة بعيدة عن الحسابات الانتخابية والمصالح الجيوسياسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية